إفتتاحية ثالثة
وصف
المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات أثناء الحمل
الأستاذ
الدكتور/ إسحق آدم - قسم أمراض النساء والتوليد، كلية الطب والعلوم الطبية، عنيزة،
جامعة القصيم، المملكة العربية السعودية
تواجه
النساء الحوامل العديد من التحديات أثناء الحمل عند التعامل مع الحالات الصحية بما
في ذلك الألم والحمى مقارنة بعامة السكان. (1) سوء معالجة الألم والحمى والظروف
التي تتطلب استخدام المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات أثناء الحمل يمكن أن
يكون لها العديد من الآثار الضارة على الأم وطفلها الذي لم يولد بعد. (2، 3) بشكل
عام، لا يخلو استخدام معظم الأدوية أثناء الحمل من المخاطر على الأمهات والأجنة في بطونهن.
(1، 4) تهدف هذه الافتتاحية إلى تناول وصف المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات
أثناء الحمل واقتراح التوصيات المناسبة لتحسين مخرجات الحمل.
يتم
استخدام المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات خلال فترة الحمل بمفردها أو مع
أدوية أخرى في علاج أنواع مختلفة من الحالات الصحية، مثل الألم والأمراض
الروماتيزمية والتهابات المسالك البولية والملاريا والسل وحمى الضنك
والشيكونغونيا، إلخ (3، 5، 6) وفي أحيان عديدة، يتم استخدام بعض الأدوية المضادة
للالتهابات مثل جرعة منخفضة من حمض أسيتيل الساليسيليك (الأسبرين) لتقليل خطر
الإصابة بتسمم الحمل والمراضة والوفيات المرتبطة به (مثل الولادة المبكرة وتأخر
النمو داخل الرحم). (2)
ترتبط
الحمى أثناء الحمل بما في ذلك الحمى مجهولة السبب (PUO) بالعديد من النتائج السيئة للأمهات وفي الفترة المحيطة بالولادة
بما في ذلك مراضة ووفيات الأمهات، والولادة المبكرة، والتمزق المبكر للغشاء
الأمنيوسي، والتشوهات الجنينية، ووفاة الجنين داخل الرحم، وقصور الانتباه وفرط
الحركة والتوحد. (5)
هذه
النتائج السيئة المرتبطة بالحمى تتطلب علاجًا عاجلاً. حيث أن استخدام المسكنات
والأدوية المضادة للالتهابات لا يخلو من المخاطر، وفي نفس الوقت فإن الأبحاث حول
سلامتها أثناء الحمل محدودة. (2، 4)
حدوث الحمل مع
وجود حالات مرضية مسبقًا مثل الأمراض الروماتيزمية المزمنة يشكل تحدياً نسبة للحاجة
لاستخدام الأدوية أثناء الحمل. حيث أن بعض الأدوية المضادة للروماتيزم قد تسبب
تسمما للأم أو الجنين، على سبيل المثال، العقاقير المضادة للالتهابات الخالية من الاستيرويد
(NSAIDs) بالرغم من أنها فعالة كمضاد للالتهابات
وخافضة للحرارة ومسكنة في نفس الوقت، إلا أنه يجب تجنبهها في مرحلة الثلث الأخير من الحمل بسبب مخاطر الإغلاق
المبكر للقناة الشريانية. (3)
هناك
أبحاثً محدودة تطرقت لتأثيرات الألم والنتائج المترتبة على الأم والجنين والظروف المحيطة
بالولادة. وفي دراسة مراجعة أجراها الدكتور
راي جريفيث وآخرون، فحصوا خلالها 144 مقالة درست تقييم ومعالجة الألم
المزمن، الموجود مسبقًا، أثناء الحمل، والألم المزمن المصاحب للحمل، والألم المزمن
المتعلق بطريقة الولادة. وأوصوا بسبعة مبادئ توجيهية لمعالجة الألم المزمن أثناء
الحمل وما بعده: أ) تسجيل التاريخ المرضي الكامل والكشف البدني؛ ب) مراقبة المرضى فيما يتعلق بتعاطي الكحول
والنيكوتين والمواد المخدرة؛ ج) التعاون مع المريض لتحديد أهداف العلاج؛ د) وضع
خطة المعالجة؛ هـ) استخدام أقل جرعة فعالة عند الحاجة لاستعمال المواد الأفيونية؛
و) صياغة خطة لمعالجة الألم أثناء المخاض والولادة؛ ز) مناقشة الصحة الإنجابية مع
النساء اللاتي يعانين من آلام مزمنة. (6) تعتبر كثير من الأدوية المستخدمة أثناء
الحمل آمنة بالجرعات الموصى بها، غير أن الأمر لا يخلو من بعض الخطر ، فقد تم
الإبلاغ عن بعض الآثار الجانبية مؤخرًا. على سبيل المثال، فإن عقار الأسيتامينوفين
(الباراسيتامول)؛ هو العقار المفضل لخفض الحرارة وتسكين الألم عند النساء الحوامل
في جميع أنحاء العالم، ويعتبر عقارا آمنا للحوامل، إلا أنه قد ظهرت مؤخراً مخاوف عند
تناوله في بداية الحمل تتمثل في ظهور تأثيرات سلبية على التطور الإنجابي للنسل (مثل
الخصية الخفية والمبال التحتاني). (4) يشير هذا إلى الحاجة إلى استمرار مراقبة
سلامة الأدوية على الأجنة التي تعرضت للأدوية أثناء الحمل، وتستمر المراقبة بعد
الولادة حتى مرحلة البلوغ. ذلك يعني أن الموافقة الأولى على سلامة الدواء لا تضمن
السلامة إلى الأبد.
لا
شك أن هناك حاجة مستمرة إلى تقصي المعالجات السليمة للألم أو الحمى، أو أي أدواء
أخرى تعاني منها الحوامل وتتطلب استعمال العقاقير أثناء الحمل. غير أن هناك غياب
للبيانات القاطعة بسلامة استخدام الأدوية المسكنة أو المضادة للالتهابات أثناء
الحمل؛ مما يُحتم المزيد من اهتمام الباحثين للتوصل إلى حلول قاطعة في هذا الشأن
دون تعريض صحة الأمهات والأجنة إلى الخطر. وتدل المعلومات المتوفرة حاليا أن الوضع
الحالي للمسكنات والأدوية المضادة للالتهابات أثناء الحمل لا يزال يمثل تحديا
حقيقيا يجب التغلب عليه.
وفيما
يلي توصيات تسعى للتغلب على هذه التحديات؛
وتهدف إلى تحسين صحة الأم والجنين:
1. يجب أن يتم وصف المسكنات والأدوية
المضادة للالتهابات للحواملمن قبل متخصصين صحيين مؤهلين، وذلك بعد إجراء تشخيص
شامل وتحديد الاحتياجات اللازمة للوصفة الطبية، وبأقل إجراءات ممكنة.إلا أن الواقع
غير ذلك، حيث أن تناول الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية أمر شائع أثناء الحمل.(6)
2. يجب على العاملين الصحيين تجنب استخدام
الأدوية أثناء الحمل ما أمكن ذلك؛ وذلك لأن غالبية الأوجاع والآلام عند النساء
الحوامل يمكن علاجها دون استخدام المسكنات أو الأدوية المضادة للالتهابات. على
سبيل المثال، قد تعاني بعض النساء الحوامل من الصداع في كثير من الأحيان، وقد يكون
النهج الأفضل للعلاج هو أخذ قسط كاف من الراحة. في حالة الحاجة إلى الأدوية أثناء
الحمل، يجب استخدام أقل جرعة من المسكنات أو الأدوية المضادة للالتهابات ولأقل
فترة ممكنة لتخفيف الأعراض وهذا هو النهج الاستراتيجي الذي يجب أن يُتبع.(4. 6)
3. إقامة تعاون فعال بين العاملين الصحيين
والنساء حتى قبل الحمل لتشجيع المشورة قبل الحمل حول تنفيذ التدابير الوقائية
المناسبة، وعلاج أي حالات صحية موجودة قد تتطلب العلاج أثناء الحمل بالمسكنات
والأدوية المضادة للالتهابات، مثل الألم المزمن، والأمراض الروماتيزمية، والحمى
مجهولة السبب، والملاريا، وداء الليشمانيات الحشوي (الكالازار) والسل. على سبيل
المثال، يمكن أن يشكل الحمل غير المخطط له، خاصة بين النساء المصابات بأمراض
الروماتيزم، خطراً على صحة الأم والجنين. ولذلك، فإن المعالجة المناسبة للأمراض
الروماتيزمية أثناء الحمل وبواسطة فريق رعاية متعدد التخصصات يمكن أن تمنع التلف
الدائم لأجهزة الجسم لدى الأمهات وتقلل من الآثار الضارة للمرض على الأمهات
والأجنة. (3)
4. يعد تبادل المعلومات مع النساء الحوامل
بصدق ودقة أمرًا ضروريًا لدعمهن في اتخاذ الخيارات التي تصب في مصلحة أطفالهن
الذين لم يولدوا بعد.
تتضمن هذه المعلومات المشورة الشاملة
للنساء الحوامل حول استخدام الأدوية أثناء الحمل والمخاطر المحتملة بناءً على
الأدلة المتاحة. وفي حالة مواجهة المرأة الحامل لآثار جانبية للأدوية مثل
التأثيرات المسخية أو السامة للأجنة، يجب تقييم المخاطر على أساس فردي ويجب تحديد
استراتيجية لمعالجة المخاطر. (1)
5. هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث فيما
يتعلق بسلامة الأدوية أثناء الحمل بما في ذلك المسكنات والأدوية المضادة
للالتهابات. ولا ينبغي استبعاد النساء من تجارب الأدوية بقدر الإمكان، خاصة عندما
تكون هناك فوائد أولية للأم وجنينها تفوق المخاطر المحتملة للدواء تحت الاختبار.
في الوقت الحالي، تعتمد النساء الحوامل عادة على الأدوية التي أُختبرت على عامة
السكان بالرغم من أن النتائج قد لا تكون مناسبة للنساء الحوامل بسبب التغيرات
الفسيولوجية أثناء الحمل.
الخلاصة: وصف
المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات أثناء الحمل غالبا يُعتبر تحديا. لأن عدم
وصف مثل هذه الأدوية قد يؤدي إلى زيادة معدلات مراضة ووفيات الأمهات والأجنة، مثل حالات
الإجهاض، والتمزق المبكر للغشاء الأمنيوسي، والولادة المبكرة، والتشوهات، وووفاة
الجنين داخل الرحم، وما إلى ذلك. قد تساعد المشورة ما قبل الحمل، والفحوصات في
الوقت المناسب، وجرعات الأدوية المناسبة في وقت مبكر لفترة مناسبة في منع النتائج
السيئة المذكورة أعلاه. هناك حاجة إلى مزيد من التجارب البحثية لضمان سلامة
المسكنات والأدوية المضادة للالتهابات أثناء الحمل؛ وكلما أمكن، يجب على النساء
الحوامل المشاركة في مثل هذه الأبحاث. وهذا على أمل ألا يتم استقراء سلامة الدواء
أثناء الحمل من رصد نتائج الدراسات التي أجريت على عامة السكان.
في
هذا العدد من المجلة دراسة مقطعية بعنوان (وصفات المسكنات ومضادات الالتهاب
للحوامل في المستشفى العسكري ومستشفى الخرطوم التعليمي، الخرطوم، السودان، 2016م)،
قام بها الدكتور أزهري الأمين وزملاؤه. أظهرت الدراسة أن العديد من أنواع المسكنات
والأدوية المضادة للالتهابات قد استخدمت في عينة البحث لعلاج الألم البسيط إلى
المتوسط والصداع أو الحمى أثناء الحمل. كما استخدم حمض أسيتيل الساليسيليك
(الأسبرين) بجرعات منخفضة بغرض الاستفادة من فوائده الوقائية والعلاجية لتقليل
اعتلال صحة الجنين والأم أثناء الحمل في بعض الحالات. أفاد الباحثون أنه يمكن
تناول الأدوية المسكنة والمضادة للالتهابات في بعض الأحيان بأمان أثناء الحمل. إلا
أنه، وعلى ضوء الآثار الجانبية المحتملة طويلة المدى على المواليد مثل الخصية
الخفية والمبال التحتاني، يجب متابعة الأطفال المولودين لأمهات استخدمن المسكنات
والأدوية المضادة للالتهابات من بعد الولادة وحتى مرحلة البلوغ.
References
1. Dathe
K, Schaefer C. The use of medication in pregnancy. Dtsch Arztebl Int.
2019;116:783–90.
2. Davidson KW, Barry MJ, Mangione CM, Cabana M, Caughey AB,
Davis EM, et al. Aspirin use to prevent preeclampsia and related morbidity and
mortality: US Preventive Services Task Force Recommendation Statement. JAMA - J
Am Med Assoc. 2021;326:1186–91.
3. Peterson EA, Lynton J, Bernard A, Santillan MK, Bettendorf B.
Rheumatologic medication use during pregnancy. Obstet Gynecol.
2020;135:1161–76.
4. Tadokoro-Cuccaro R, Fisher BG, Thankamony A, Ong KK, Hughes
IA. Maternal paracetamol intake during pregnancy—impacts on offspring
reproductive development. Front Toxicol. 2022;4 April:884704.
5. Mulders-Manders CM, Banerjee RR. Pyrexia of unknown origin.
Med (United Kingdom). 2021;49:719–22.
6. Ray-Griffith SL, Wendel MP, Stowe ZN, Magann EF. Chronic pain
during pregnancy: a review of the literature. Int J Womens Health.
2018;10:153–64.