إفتتاحية ثانية
كلية
الفجر للعلوم والتكنلوجيا: الصمود في وجه تحديات حرب الخرطوم 15 ابريل 2023
الأستاذ
الدكتور/محمد الباقر علي الأمين–زمالة الكلية الملكية للطب الباطن
عميد
كلية الفجر للعلوم والتكنولوجيا، الخرطوم، السودان
15 ابريل 2023
الموافق 25 رمضان 1444 يوم نُحت في ذاكرة تاريخ السودان بإزميل من رصاص. استيقظ أهل
الخرطوم في هذا اليوم على أصوات الأسلحة المختلفة، وحتى كتابة هذا المقال لا تزال
الحرب دائرة حيث دخلت شهرها الخامس والحياة في الخرطوم معطلة تماماً. دمرت هذه
الحرب كل البنية التحتية للعاصمة المثلثة. اشتمل التدمير كل مرافق الدولة الحيوية
(محطات المياه والكهرباء ودواوين الدولة الادارية ومراكز المعلومات المختلفة)
وكذلك المؤسسات الخاصة (بنوك، شركات ومؤسسات) كما شملت ممتلكات المواطنيين (منازاهم
سياراتهم ومقتنياتهم الخاصة)؛ ومن ضمن هذا الدمار ما لحق بمؤسسات التعليم العالي
الحكومي والخاص. فقد أوردت اللجنة الرسمية التي شكلها وزير التعليم العالي والبحث
العلمي برئاسة مدير جامعة الجزيرة، والمنشور على موقع الوزارة بياناً كافياً لما
حل بالتعليم العالي. سأورد هنا ملخص هذا التقرير:
1. فقدت مؤسسات التعليم العالي عدد من
علمائها ومنسوبيها.
2. خُربت كل مؤسسات التعليم العالي والبحث
العلمي بولاية الخرطوم وعدد من الولايات الأخرى (تأثرت 104 من مؤسسات التعليم
العالي الحكومي والخاص والمراكز البحثية).
3. تضررت جامعات كثيرة في
بنيتها التحتية من معامل وورش ومكتبات.
4. في ولاية الخرطوم تضررت جميع الجامعات
الحكومية وعشر جامعات خاصة وعشرون كلية خاصة.
5. في الولايات الأخرى تضررت ست جامعات
حكومية بالاضافة لبعض الكليات الخاصة.
6. تمت سرقة كل وسائل النقل والحركة من
الجامعات والكليات المتأثرة.
7. حُرقت المراكز البحثية بمعاملها
ومكتباتها.
8. كما خُربت مساكن وممتلكات هيئة التدريس.
انتهى ملخص
تقرير وزارة التعليم العالي.
تعاملت وزارة
التعليم العالي والبحث العلمي بعد أن انتقلت بمكاتبها إلى جامعة الجزيرة مع هذا
الظرف الطارئ بالآتي:-
أصدر وزير
التعليم العالي والبحث العلمي توجيهات عدة للتعامل مع ظرف الحرب شملت:
1. استعمال التعليم الإلكتروني المتزامن
لمواصلة الدراسة ووضع ضوابط لهذا النوع من الدراسة.
2. حث الجامعات الحكومية والخاصة في
الولايات غير المتضررة داخل السودان بالتعاون مع الطلاب من جامعات وكليات ولاية
الخرطوم كما وُضع لهذا التعامل أُسسه وضوابطه.
3. سمح للجامعات والكليات المتاثرة بالحرب أن
تتعامل مع الجامعات خارج السودان وفق شروط وضوابط محددة.
4. فتح فرص التقديم والقبول للعام الدراسي
الجديد.
5. استئناف اجراءات التوثيق بوزارة التعليم
العالي.
على ضوء هذه
التوجيهات استأنفت كلية الفجر الدراسة وبدأت بالخطوات التالية:
عقدت
اجتماعها الأثيري الأول لمجلس الأساتذة بتاريخ 25 مايو 2023 وقررت فيه مواصلة الدراسة
لكل البرامج والمراحل بالكلية؛ على إثر ذلك بادر منسقو البرامج بعقد اجتماعات
متعددة بغرض مواءمة الخطط الدراسية للوضع الجديد. تابع المجلس العلمي سير
التحضيرات بعقد اجتماعات اثيرية أخرى بلغت ثمانية اجتماعات كانت مخرجاتها كالآتي:-
1. عمل استبيان يوضح مواقع الطلاب والأساتذة
ومدى توفر الشبكة العنكبوتية لديهم وإمكانية حضورهم إذا تطلب الأمر ذلك.
2. ضرورة الاستفادة من البنية التحتية
الاكترونية الموجودة في الكلية لمواصلة الدراسة الكترونيا والتي كانت تستخدمها الكلية في تقديم المحاضرات في أيام
السلم مستفيدين من كل ما هو متوفر من منصات تعليمية بالكلية (Big
Blue Bottom, Moodle) أو التلغرام والواتساب.
3. عُقد إتفاق مع كلية إقرأ الجامعية بقرية
فداسي (على بعد 14 كيلو متر من مدينة ودمدني) لاستضافة كلية الفجر لتكملة بقية الأنشطة
التي تحتاج لمعامل وغيرها وكذلك لاجراء الامتحانات (هناك علاقة بين كلية إقرأ
وكلية الفجر اذ أن المالك للكليتين هو منظمة المجذوب لخدمة القران الكريم).
4. تأجيل الانشطة العملية والمعملية والاكلينيكية
والميدانية لنهاية المقرر، على أن يكون هنالك جدول لكل برنامج لهذه الأنشطة عندما
يحضر الطلاب لكلية إقرأ.
5. استدعاء الطلاب الخريجين من الدفعة
الثالثة طب بشري، لتكملة الامتحانات وبقية المقررات ومن ثم التخريج إذ أن هذه
الدفعة كان من المفترض أن تجلس لامتحان النساء والتوليد مباشرة بعد عيد الفطر
المبارك في شهر مايو.
نتائج
هذه الجهود في الفترة من شهر مايو إلى منتصف سبتمبر كانت كالآتي:
-
بدات
الدراسة فعلياً واستمر التعليم الإلكتروني بصورة فاعلة وأوشك الجزء النظري
للمقررات في جميع البرامج التي بدأ العمل بها على الانتهاء.
-
حُررت
مذكرة تفاهم مع كلية إقرأ الجامعية.
-
أُنشئت
مكاتب ادارية لكلية الفجر بمباني كلية إقرأ (مجمع سوبا).
-
أُعدت
شبكة محلية تستوعب 100 طالب بغرض الامتحانات الالكترونية في مجمع إقرأ. وأُدخلت
الشبكة العنكبوتية في مجمع سوبا للتواصل مع نظام الطلاب السحابي وكذلك لاجراء
الامتحانات بالطريقة المتبعة بالكلية. حيث تم توفير الأجهزة اللوحية (Tablets) للامتحانات من شركة إلكترونيات بمدينة ودمدني.
-
استدعينا
طلاب الطب الخريجين (الدفعة الثالثة) للحضور لقرية فداسي - بعد أن هُيئت لهم
الداخليات للسكن لتكملة مقررات النساء والتوليد، وطب العيون، وطب الطوارئ والاقامة
الريفية؛ ولإجراء الامتحانات لتلك المقررات الدراسية؛ بالاضافة لعمل بحوث التخرج.
بلغت نسبة الحضور 96.5% (83 من عدد 86 طالب)، حيث شمل الحضور الطلاب غير السودانين
من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية.
-
عُقد
امتحان النساء والتوليد الاكلينيكي والذي اشترك فيه 23 أستاذا حضروا لقرية فداسي
من مدن ودمدني والحصاحيصا ومن البطانة.
-
قمنا بتكملة التدريب في مقرر العيون والذي بدأت
الدراسة فيه إلكترونيا ومن بعده أكملنا التدريب النظري والإكلينيكي لطب الطوارئ
بمستشفى الشرطة بمدينة ود مدني، وأجرينا الامتحان بنجاح، و قد ساعدنا في ذلك
مشكورين أساتذة من جامعة الجزيرة.
-
أكملنا
مقرر الإقامة الريفية في قرية فداسي والمستشفى الريفي بقرية المسلمية تحت إشراف أستاذ
الكلية د. بشير الطيب الذي حضر من بين طلقات الرصاص من داخل العاصمة لمسيرة يومين
ليصل قرية فداسي التي تبعد عن العاصمة مسيرة ساعتين.
-
واصل
الطلاب في استكمال بحث التخرج بتوجيه المشرفين المنتشرين في ولايات السودان وخارج
السودان في جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية. يتم عقد اجتماع دوري
للمشرفين عبر منصة جوجل للاجتماعات لمتابعة سير البحوث ومناقشة المشاكل التي تواحه
الطلاب والاتفاق على حلول موحدة لها.
حضر من الموظفيين
الادارين كل من احتاجت له العملية التعليمية، وهُيئت لهم الغرف ووسائل الراحة
بالقرية (أساتذة النساء والتوليد، العيون وطب الطوارئ وطب المجتمع. حضر كذلك مسجل
البرنامج، ومسؤول المرحلة وضابط الامتحانات لبرنامج الطب البشري بالاضافة للمسؤول
المالي ومسؤول التعليم الاكتروني).
ظروف الحرب
وتبعاتها النفسية والاجتماعية لم تُعطل الكلية من نشاطها البحثي ومشاركتها في
اثراء الساحة العلمية حيث أصدرت العدد الأول من مجلة السودان للعلوم الصحية في مايو
وهذا العدد أيضا كان نتاج مخاض عسير في الظروف الراهنة.
ونحن على مشارف
الانتهاء من تخريج الدفعة الثالثة طب؛ ونتهيأ لاستقبال طلاب طب الاسنان حسب الجدول
الذي تمت اجازته من المجلس العلمي، فوجئت كلية الفجر والكليات والجامعات الأخرى المهاجرة
داخل وخارج السودان بقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي بايقاف الدراسة
الجامعية بكل انواعها في مؤسسات التعليم العالي بتاريخ 14 اغسطس 2023، مما يهدد
بإجهاض كل المجهودات التي بذلت لتخطي العقبات التي فرضتها علينا هذه الحرب، ونأمل
أن تراجع وزارة التعليم العالي هذا القرار.
كانت تجربة
مثيرة وجديدة وجميلة وخاصة حيث كانت الاجواء خريفية، وطبيعة الريف في السودان في
فترة الخريف رائعة. كانت فرصة حلوة أن يكون الأساتذة والطلاب في مكان واحد مما جعل
العلاقة بينهم قوية وذات طابع اجتماعي فيه الراحه والإلفة والمودة؛ حيث خلقت صلات
من نوع جديد بين كل المشاركين في هذا الانجاز ساعد في انجاحها التعاون التام من
ادارة كلية إقرأ. احتفل الطلاب والأساتذة بانتهاء هذه الفترة الناجحة والتي اتسمت
بعلاقات جميلة، وكرموا في نهايتها كلية إقرا ادارة وموظفين وعمال.
هذا، وانتهز هذه
الفرصة لأتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في صمود كلية الفجر للعلوم والتكنولوجيا
في مواجهة هذه الظروف العصيبة، وأخص بالشكر أساتذة الكلية ومن شاركوا في التدريس
من جامعات وكليات أخرى، والموظفين الإداريين والعمال، وأشيد بالطلاب الخريجين
الذين حضروا لقرية فداسي وسكنوا في داخليات كلية إقرأ طيلة مدة دراسة تلك المقررات
وكانت نسبة حضورهم عالية (96.5%). كما أشكر بصفة خاصة كلية إقرأ في قرية فداسي
التي هيئت لنا فرص النجاح، من إقامة واستضافة لاستخدام كل المعينات الدراسية
المتاحة لها.
المراجع
موقع
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي السودانية