إفتتاحية أولى
مجلة السودان للعلوم الصحية: هكذا
صدر العدد الثاني من المجلة في خضم حرب الخرطوم الضَّروس
الأستاذ الدكتور/ حسن
أبوعائشة– زمالة الكلية الملكية
للطب الباطن
رئيس التحرير،الخرطوم، السودان
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة السلام على رسول الله
الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فيما يلي بعض الخواطر والملاحظات لرئيس
تحرير مجلة السودان للعلوم الصحية.
بدأت المجلة صدورها منذ يناير 2023م، بعد إعداد استغرق
عاما كاملاً قبله. ومجلة السودان للعلوم الصحية مكتبها الرئيس في كلية الفجر
للعلوم والتكنولوجيا بالخرطوم. وهي مجلة مفتوحة لشراكات من جامعات وكليات أخرى في
السودان، إذ أنها تحمل اسم السودان الذي يسع الجميع. وكان القرار الذي اتخذته
إدارة المجلة بعد التشاور مع الإدارة العليا لكلية الفجر والعلوم والتكنولوجيا، هو
أن تصدر المجلة ثلاث مرات في العام ابتداءً، ثم تزيد عدد الإصدارات السنوية
تدريجياً. والهدف المعلن للمجلة هو أنها تشجع البحوث العلمية من كل أنحاء السودان
ودول الجوار، وتشجع بصفة خاصة الباحثين الشباب، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات
السودانية بالقيام ببحوث مشتركة بغرض الإجابة على الأسئلة والتحديات البحثية
العلمية في السودان والحلول الجارية أو المقترحة.
صدر العدد الأول للمجلة في الفترة من يناير إلى أبريل
2023م، بنجاح، واستُقبل استقبالا جيداً من القراء، وشارك فيه باحثون متميزون من
تخصصات مختلفة في العلوم الصحية.
ثم بدأ الإعداد للعدد الثاني ليكون في الفترة من مايو
إلى أغسطس 2023م. غير أن حرب الخرطوم التي اندلعت فجأة يوم 15 أبريل 2023م؛ وكانت
شراستُها فوق التصور، إذ انقلبت الأمور رأساً على عقب في جميع أنحاء العاصمة
السودانية، وتوقفت الحياة اليومية في كلّ المؤسسات بسرعة مذهلة. وفي الأسابيع
التالية وردت الأنباء تباعاً عن تعطيل وتخريب كل مؤسسات الدولة في شتى مناحي
الخدمة المدنية والقطاع الخاص. ولم تنجُ المؤسسات التعليمية، بل إن 104 مؤسسة من
التعليم العالي، العام والخاص، أصابها خرابٌ جزئي أو كلي كما ورد في تقرير لجنة
التعليم العالي لحصر الخسائر (انظر مقالة بروفيسر محمد الباقر الافتتاحية).(1)
في هذا العدد من المجلة يصف بروفيسر محمد الباقر كيف
استطاعت كلية الفجر الصمود في وجه تلك التحديات، واهتمت بالطلاب الخريجين بصفة
خاصة في كل برامجها؛ فاستكملت تدريب طلاب الطب السريري وأقيمت الامتحانات
النهائية، بالتعاون مع كلية إقرأ في ضاحية فداسي القريبة من مدينة ود مدني، حاضرة
ولاية الجزيرة في السودان. وبمعاونة عدد كبير من الأساتذة من ولايتي الخرطوم
والجزيرة.(1)
يقود مركز كلية الفجر للبحوث مجال البحث والنشر العلمي
في الكلية، وتمثل مجلة السودان للعلوم الصحية النافذة التي يرى منها العالَم
النشاط البحثي لكلية الفجر والجامعات التي تتعاون معها في هذا المجال. كان التحدي
الكبير هو أن يصدر العدد الثاني من المجلة، والذي تزامن تماما مع بداية الحرب في
15 أبريل 2023م. نتج عن الحرب هجرة وتبعثر المحررين المسؤولين عن المجلة في ولايات
السودان المختلفة وخارج السودان في المملكة العربية السعودية ومصرَ وتركيا
والمملكة المتحدة. وهكذا
بقيت مكاتب كلية الفجر للعلوم والتكنولوجيا في الخرطوم خاليةً تماماً. تشاورنا في
إدارة المجلة عن كيفية اجتياز هذه المحنة، وقررنا أنه من الممكن التواصل عبر
الوسائط الإلكترونية، والقيام بتحرير المقالات العلمية باستخدام تلك الوسائط.
كان التحدي كبيراً، وتبادل المحررون عبر الاثير المقالات
المختلفة التي يجدها القارئ في هذا العدد. وحدثت مشاورات عديدة مع علماء مختلفين
في مجال الإحصاء الطبي والتخصصات المختلفة بحسب المقالات المنشورة. ويسعدني أن
أشكر كل الذين ساهموا في تحرير وإخراج هذا العدد، وأخص بالشكر رئيس مجلس أمناء
كلية الفجر للعلوم والتكنولوجيا، البروفيسر مبارك المجذوب، الذي ظلّ على اتصال
متكرر بنا ليطمئن ويشجع سير المجلة؛ وكذلك عميد الكلية بروفيسر محمد الباقر، الذي
ما فتئ يتابع صدور المجلة في مواعيدها؛ وبذَل أعضاء هيئة التحرير كلهم جهوداً
خارقة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال والشابكة الإلكترونية (الإنترنت) والتيار
الكهربائي في حالة عدم انتظام مستمر. وأخص بالشكر البروفيسر إسحاق آدم، الباحث
المتميز في جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية، الذي تكرم بكتابة مقالة
افتتاحية عن الأدوية المسكنة للألم في الحمل، تعليقاً على مقالة د. أزهري النور
حاج الأمين وزملائه بعنوان (الوصفات الطبية لمسكنات
الألم ومضادات الالتهاب للنساء الحوامل في المستشفى العسكري ومستشفى الخرطوم
التعليمي). وكانت
استجابته سريعة ومفيدة، يجدها القارئ في هذا العدد.
نحن فخورون بإصدار هذا العدد في موعده رغم الحرب التي
دارت في جميع أحياء عاصمة السودان، الخرطوم، وشملت شوارعها الرئيسة والفرعية
شارعاً شارعاً، وانتشر فيها القتل والجرح بحيث أنه كان من المستحيل أن تستمر
الحياة فيها، فأصبحت العاصمة السودانية مدينةً مهجورةً إلى حد كبير، وخرج منها
سكانها بأرواحهم وما خفّ حمله من متاعهم. وبالرغم من ذلك، استطعنا إكمال هذا العمل
بفضل الله تعالى ثمّ بتصميم واجتهاد كل المعنيين بالعمل في المجلة من أعلى
المستويات الإدارية إلى كل العاملين فيها، وتعاونهم وصبرهم في ظل الظروف الحالكة
المصاحبة للحرب والدمار.
قد يبدو إصدار عدد واحد من مجلة علمية أمراً ميسوراً في
الظروف العادية، ولكن في هذه الظروف الاستثنائية التي تعطلت فيها معظم المرافق
الإدارية والعلمية في الخرطوم، فإن صدور العدد الثاني من مجلة السودان للعلوم
الصحية في خِضَم أُوار حرب الخرطوم، يعد إنجازاً عظيماً، ويدل على حرص كلية الفجر
للعلوم والتكنولوجيا وإدارتها على الاهتمام بالبحث والنشر العلمي، تحت كل الظروف
مهما بدت مستحيلة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرجع:
1. محمد الباقر علي
الأمين. كلية الفجر للعلوم والتكنلوجيا: الصمود في وجه تحديات حرب الخرطوم 15
ابريل 2023. مقالة افتتاحية في هذا العدد.